Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

قلم حر

26 novembre 2013

متى تصمت منابر التكفير ؟

لكل أمة من أمم التوحيد منابره التكفيرية . منابر كسّرت عظام مفكرين و فلاسفة و حاولت بأقصى ما أوتيت من قوة و  سلطة ظرفية أن تُطفأ أضواءا    لا ذنب لها سوى التطلع للأخذ بيد الامة إلى الأمام.

إن رياح الجنون التكفيري لم تهب حصرا على الرؤوس النيرة في أوربا  القرون الوسطى . ثم إن أرواح الفكر النقدي لم تزهق فقط تحت ظلال الصليب الأعمى كما تروج له بعض الأصوات المزيفة للتاريخ الغارق في دماء العلم المهدور شرقا و غربا، شمالا و جنوبا.

كل يوم و فوق كل منبر متاح يروي الخطباء في بلاد العرب و المسلمين نبأ سطوة الكنيسة على العلماء الذين خوّلت لهم نفسهم التفلسف خارج عباءة الرهبان. ولكن ينسون أو يتناسون ما سال طوفانا من دم بريئ تحت ظلال الصوامع و في باحات مساجد لم تعد يعلو فيها سوى صوت السلطان

صحيح أن الكنيسة، و في خضم انحطاطها و ظلاميتها، أحرقت عام 1600 الفيزيائي الايطالي الشهير جيوردانو برونو . وما نجا غاليلي من الحريق التكفيري إلا بركوعه ، رغما عنه،  أمام الصليب  المتصلب. صحيح أيضا أن فرنسا، و غداة الزفاف المعلن مع مبدأ الحرية أسقطت بإسم التشدد الثوري المقصلة على رأس أبو الكمياء المعاصرة أنطوان لوران دو لافوازيي.

ولكن هل الغرب وحده يحمل وزر سكب الدم العلمي في الساحات العمومية كما يسكب النبيذ في قاعات الرقص العامة ؟ أم لنا نحن أيضا، معشر المسلمين، ملاحم سوداء ترفض العزة بالاثم التي تغمرنا أن نميط اللحاء عنها ؟

نظرة خاطفة الى العلاقات الشائبة بين أهل العلم و متربعي منابر التكفير  ستحجّر، لا ريب،  الدم في عروقنا. فقلوب الساهرين على تطبيق النظرات الدينية المتشددة أشد قسوة و أبطش كيدا

فهاهو ابن المقفع، مترجم رائعة كليلة و دمنة، قُطّع عضوا عضوا و كلما بُتر عضو منه شواه جلادوه و أرغموه على أكله حتى وافته المنية. و هاهو الحلاج صلبه المتشددون ثم قطعوا جثته أترابا و رميت أشلاؤه في أقصى المدينة

و هاهو أبو حيان التوحيدي يحرق كتبه بنفسه عندما أضاق عليه خطباء التكفير الدنيا  ثم اعتزل المجتمع محبطا متذمرا

و ما قولنا في ابن رشد، الفيلسوف الذي سبق عصره، و الذي حُرّمت عليه أراضي الأندلس التي أولدته و رعته بعدما اتهمه التكفيريون ذوي اليد الطويلة في البلاط الأميري بالردة و الكفر و الالحاد. مات محبطا في مراكش. 

ومن هنا يتضح أن منابر التشدد الديني في الغرب و الشرق سواسية في الاجرام و قطع ألسن الحق

قد يقول قائل : التاريخ تاريخ و ما بعد ؟ و هنا الطامة الكبرى . فإذا كان الغرب استخلص العبر  وأيقظ دم علمائهم المهدور ظمائر ملئه فتحرك تحركا رهيبا نحو اعادة الاعتبار للعلم و العلماء و رفع درجاته إلى ما فوق سلم المرجعيات الحضارية ، فأين نحن من تلك المحن التي هزت أركان علمنا ؟ لا داعي لتشغيل بوصلة علوم الاجتماع و الانتروبولجيا. نحن مازلنا في عين الزوبعة. و مازال صيّادو الأنوار يتقفّون آثار أي ضوء يشع هنا أو هناك. ألم يتم تكفير طه حسين ؟ ألم يُقتل فرج فودة في مصر ؟ ألم يُشنق محمود محمد طه في الخرطوم ؟ ألم يُطعن نوبل الآداب نجيب محفوظ في القاهرة ؟ ألم تسل دماء جلالي اليابس و الطاهر جاووت و محمد بوخبزة في الجزائر ؟ ألم يهمش محمد أركون في المحافل الفكرية الاسلامية ؟ 

الى متى تنكص الرؤوس أمام خطابات التكفير و الاجرام الديني ؟ الى متى يطول سبات الأمة ؟

بقلم : موسى ترطاق

 

Publicité
Publicité
قلم حر
Publicité
Archives
Publicité